6/14/2015

الشّركات القابضة والشّركات الإحتكاريّة

يسعى قانون شايرمان  Sherman Antitrust Act  والمعروف عالميّا بالقانون المناهض للشّركات الإحتكاريّة إلى التّصدّي لكافة اشكال الإحتكار الرّأسماليّ .

لكن ، ألا تشكّل الشّركات القابضة حلّا مناسبا لمن يريد ممارسة الإحتكار ، في عالم الأعمال ؟
عندما يدور الحديث حوص مصطلحي ''شركة قابضة'' Holding و ''شركة إحتكاريّة'' Trust تتبادر إلى الذّهن على الفور شبكة من معاملات تجاريّة ومن عمليات بنكيّة -منجزة على مستوى مجموعات ماليّة كبرى - ومن مضاربة على السّندات ، إضافة إلى دلالات أخرى ، معروفة جيّدة عند الإقتصاديّين ، لكنّها تظلّ أحيانا مضلّلة بما فيها الكفاية لدى غيرهم . 
والواقع إنّ الشّركات القابضة -والّتي تسمّى ايضا شركات المحاصّة وشركات الحقيبة - أقلّ غرابة ممّا يسمّى بالشّركات الإحتكاريّة ، وذلك بالرّغم من كون هذه التّسمية تعتبر ملتبسة في أوساط عالم لإقتصاد ، وتبدو كأنّها تشمل عددا من الحقائق المتباينة . 

الشّركات القابضة : 


الشّركة القابضة هي مقاولة ماليّة ،  تقوم بترويج الأموال . وهي تمتلك ، أو على الأقل ، تراقب ، حقيبة شركة ، أو عددا من الشّركات .بيد أنّ هذا المصطلح ينطبق عموما على شركة تمتلك لدى شركة أخرى حصّة من الأسهم كافية لجعلها تتوفّر على مراقبة مطلقة لهذه الشّركة الأخيرة . 

وقد ظهر مفهوم الشّركة القابضة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة . ويمكن القول بأنّه إكتسب دلالته خلال سنة 1888، في ولاية نيوجيرسي ، بعد مراجعة القوانين العامّة المؤسّسة للشّركات التّجاريّة . وهي مراجعة كانت تهدف إلى منح الإذن لمقاولات من نفس الطّراز ، بإقتناء أو حيازة سندات شركة ، أو عدّة شركات أخرى أصغر منها . وهكذا أصبح من السّهل ، نسبيّا ، على مجموعة ما أن تنظّم نفسها في شكل شركة قابضة ، وأن تراقب ، بطريقة عمليّة ، عدّة شركات مستقلّة . 

نشاطات الشّركات القابضة : 


لا تساهم الشّركة القابضة ، عموما في ايّ نشاط تجاريّ أو صناعيّ . بل تبقى شركة ماليّة خالصة ، يكون رأسمالها ضمن موارد الشّركات الصّغرى الّتي تمتلكها ، والّتي يكون لها هي النّشاط التّجاريّ أو الصّناعيّ . 

إنّ الشّركة الّتي ليس لها نشاط خاص ، تكتفي بتسيير نشاط فروعها ، تشكّل ما يسمّى بشركة قابضة خالصة ، حيث تكون آنذاك الشّركة المسيّرة هي الشّركة الأم . يتكوّن رأس مال الشّركة القابضة ، في معظمه ، من أسهم الشّركات الفرعيّة التي تستمدّ منها مدخولها . 

تنظيمها 


يتّخذ تنظيم الشّركة القابضة عموما شكلا هرميّا ، فكلّ شركة من الشّركات الماليّة الّتي تمارس مراقبة على الشّركة أو الشّركات الّتي تأتي بعدها مباشرة . وهكذا يمكن ، براسمال منخفض نسبيّا ، أن تقوم شركة قابضة بمراقبة مجموعة من شركات أخرى يكون مجموع رساميلها أضخم بكثير مما تمتلكه الشّركة القابضة نفسها . 

ومن جهة أخرى ، فإنّ الرأسمال الّذي تتوفّر عليه شركة قابضة ، يمكن الزّيادة فيه عبر إصدار سندات إقتراض لحصص لا تتوفّر على حقّ التّصويت -في الشّركات الفرعيّة - أو عبر أيّه مساهمة لرأسمال وارد من الخارج ، لا يتوفّر صاحبه على حق ممارسة تسيير داخل الشّركة المسيّرة . في هذا النّوع من التّنظيم ، تتمتّع جميع الشّركات التي تسيّرها الشّركة القابضة ، أو بالأصح الشّركة الأم ، أو تلك الّتي تكون تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر لهذه الشّركة ، بإستقلال تامّ فيما بينها . 

تدخّل الدّولة : 


ظهرت الشّركات القابضة حينما إختفة الشّركات الإحتكاريّة . وتعود هذه الظّاهرة ، في جزء كبير منها ، إلى القوانين التّشريعيّة ، وخاصّة منها قوانين مناهضة شركات الإحتكار والّتي ظهرت أوّلا في الولايات المتحدة الأمريكيّة . 
ويمكن للّشركات القابضة نفسها أن تصبح موضوعا للمراقبة القضائيّة ، إذا كان هدفها الإحتكار أو القضاء على المنافسة . 
وهكذا تمّ في فرنسا ، خلق ما يسمّى بـ''مدوّنة حسن السّلوك'' في جانفي - يناير- من العام 1970 ، والّتي يجب إحترامها وإلّا وقع المستثمرون تحت طائلة عقوبات رادعة . ومن جهة أخرى ، فإنّ قانون الشّركات ، يفرض على ممثّلي الشّركة القابضة أن يخبروا المساهمين ، سواء فيما يتعلّق بالحصول على الحصص ، أو بالنّتائج الماليّة للشّركات المراقبة والتّابعة . وبهذه الطّريقة ، يتمّ التّعرّف على السّياسات الماليّة للشّركات ، و تتبعّها بشكل دقيق. 

الشّركات الإحتكاريّة : 


كانت الشّركات الإحتكاريّة تمثّل في الأصل ، نظاما يتمكّن بواسطته عدد من الشّركات الّتي تزاول نفس النّوع من التّجارة ، من توحيد جهودها ، وذلك خدمة لمصالحها المشتركة . وكانت هذه الشّركات تسعى بهذه الطّريقة إلى القضاء على المنافسة ، ومن خلال المراقبة على إنتاج موادها ، ومعادلة أسعارها المتبادلة ودعمها . 
لكنّها كانت تحافظ في نفس الوقت على فرادة كلّ واحدة منها ، دون أن يتمّ التّفكير في دمجها مع بعضها . 

واليوم يدلّ هذا المصطلح على تنظيم قويّ بما فيه الكفاية ، يكون قادرا على خلق إحتكارات في قطاع واحد ، أو في قطاعات كثيرة . الشّئ الّذي يمنحه سلطة وضع أسعار المواد وتنظيم تزويد السّوق بها ، متداخلا بذلك مع المبدأ الأساسي في الإقتصاد اللّيبرالي ألا وهو مبدأ حريّة التّنافس .

تنظيم الشّركة الإحتكاريّة : 


في العادة ، تكون الشّركات التي تتجمّع من جديد في شركة إحتكاريّة لجنة للإدارة مكلّفة بإتّخاذ القرارات . وتتشكّل هذه اللّجنة في اغلب الأحوال من الرّؤساء أو المديرين العامّين لكلّ شركة ، ثمّ تسلّم هذه الشّركات لهؤلاء الخواص ، معظم أموال كل واحدة منها ، ويتلقّى المساهمون شهادات تخوّل لهم الحصول على نسبة من الأرباح . غير أنّ حقّ التّصويت يعهد به إلى المسيّرين . ويسمح هذا النّظام بإنتخاب جميع المديرين لجميع الشّركات من طرف المساهمين ، ومن خلالهم بإنتخاب جميع المستخدمين . وهكذا يمارس المساهمون تأثيرا و مراقبة مطلقين على سلوك كلّ شركة ، وعلى العمليات الّتي تقوم بها هذه الشّركات ، مع الرّغبة - الّتي لا يتمّ الإفصاح عنها دائما - في ممارسة إحتكار شموليّ ، من قبل هؤلاء المساهمين فيما يتعلّق بفرع أو فروع النّشاط التّجاري أو الصّناعي الذي يمارسونه . 

إنّ الشّركة الإحتكاريّة ، يمعناها المتعارف عليه ، أي بإعتبارها تنظيما مركبا ، هي اليوم نادرة الوجود ، إن لم تكن غير موجودة عمليّا ، لإنّها تركت المكان للشّركات القابضة ولأنظمة أخرى . غير أنّ لعظ شركة إحتكاريّة يستعمل عادّة للدّلالة على كلّ شكل من اشكال تجمّع الشّركات . 

أولى الشّركات الإحتكاريّة : 


كانت المحاولات الأولى للتّشارك التّجاريّ تقوم على الوعود الشّفويّة . وبعد ذلك تشكّلت ''مجموعات'' Pools حقيقيّة ، ونجحت الشّركات المتّحدة في رفع أسعارها نجاحا باهرا ، وأستفادت بشكل جيّد من إحتكارها ، إلى حدّ أنّ شركات اخرى تشجعّت بنجاحها ، وحذت حذوها . 

ومن المعروف اليوم أن مبدأ الشّركة الإحتكاريّة قديم جدّا . بيد أنّ أولى هذه الشّركات واشهرها ، هي الشّركة الإحتكاريّة الّتي اسسها ، حوالي سنة 1870 ، شريك لـجون د. روكفلر Rockfeller  ، والّتي طبّقت هذا الأسلوب شركة  ستاندرد أويل ، على نحو أعتبر آنذاك إجراء لم يسبق له أيّ مثيل . 

لقد إشترى ـجون د. روكفلر Rockfeller، في ولاية أوهايو ، مجموع أسهم أربعين شركة نفطيّة ، وخلق بذلك إحتكارا في صناعة النّفط . ولقد تبيّن أنّ هذا الشّكل من التّنظيم مربح جدّا ، ويشكّل وسيلة جيّدة لتركيز المراقبة على صناعة بأكملها، إلى حدّ أنّه لم يمض إلّا وقت قصير حتّى تمّ تقليده في جميع أنحاء العالم . وهكذا تمّ تنظيم شركات إحتكاريّة لمراقبة إنتاج التّبغ ، والسّكّر ، وزيوت القطن ، والكتّان ، والرّصاص.
غير أنّ هذه النّزعة الإحتكاريّة ، ما لبثت أن أغاظت أولائك الّذين لم يكونوا ينتمون لهذه الشّركات . بل إنّ أشخاصا عديدين تأثّروا في العمق ، و تضرّروا بهذه الممارسات . 

محاربة الشّركات الإحتكاريّة : 


لقد تبيّن في النّهاية أنّ هذه الممارسات تفتقر إلى النّزاهة . زسرعان ما برزت إحتجاجات كثيرة ضدّها . الشّئ الّذي أدّى إلى إصدار قانون شايرمان  Sherman Antitrust Act أو القانون المناهض للشّركات الإحتكاريّة ، والذّي تمّ التّصويت عليه سنة 1980 . وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا القانون أثار أكبر جدل في تاريخ الولايات المتّحدة الأمريكيّة . 

وينصّ هذا القانون ، حرفيّا ، على أنّ ''كلّ فرد يحتكر أو يسعى إلى إحتكار فرع من فروع التّجارة ، بالولايات المتحدة الأمريكيّة ، أو بأيّ بلد آخر ، أو يشترك مع شخص معيّن أو مع مجموعة من الأشخاص بهدف الإحتكار ، سيخضع للمتابعة القضائيّة ...''. وبفضل هذا القانون فإنّ الشّركات الّتي تتجمّع في الوقت الرّاهن ، على شكل شركات إحتكاريّة ، تقوم بذلك لأغراض تقنيّة ، أو إنتاجية أو ماليّة فحسب . 

الكارتل : 


يدلّ مصطلح الكارتل Cartel على شركة إحتكاريّة أوروبيّة ، إنطلقت في الأصل من المانيا . وهنا يجب التّمييز بين شكلين من الكارتل : 
  1. الكارتل العمودي : حيث تتحالف مقاولة ما مع المزوّدين و الموزّعين قصد مراقبة قطاع السّلع الإستهلاكيّة - أو الإنتاج - وذلك إبتداء من نقطة إنطلاق سلسلة الإنتاج - إستخراج المعدن المستعمل ، مثلا - إلى المرحلة الختاميّة - بيع المنتوج و تسويقه على الخصوص - . 
  2. الكارتل الأفقي : ويتعلّق بصناعات من نفس الفرع ، أعيد تجميعها للقيام بالإنتاج المشترك ، أو لإستعمال نفس الآلات . 
بيد أنّه ليس من النّادر أن يصل الأمر في هذه الحالة ، إلى وضعيّة إحتكاريّة . ولهذا السّبب ، كانت معاهدة روما الّتي أسست نواة السّوق المشتركة الأوروبيّة ، سنة 1957 ، قد أصدرت قائمة بالتّوافقات التي بدت لها مصدر اضرار . لكن من جهة أخرى ، تنبغي الإشارة إلى أنّ القوانين المناهضة للّشركات الإحتكاريّة تبقى سارية المفعول . وهذا هو السّبب الّذي يجعل أكبر التّجمّعات تفضّل اللّجوء إلى تنظيم من طراز الشّركة القابضة ذات الطّابع الماليّ بالاساس .

هل أعجبك المقال ؟

0 تعليقات: