7/24/2015

دور النقود عند ماركس - الجزء 5 - الأوراق النّقدية و كتلة النّقد

إنّ بحث مسألة الأوراق والقطع النّقدية ، بمعنى النقود ، مسألة صعبة بإعتبار أنّ الأمور تغيّرت عمّا كانت عليه أيّام ماركس .

في الواقع ، فقد حصلت ظارهتان اثنان : أوّلا التّخلّي عن إعتماد الذّهب كمعيار للصّرف (راجع مقالتنا حول النظام النقدي الدولي) ، وثانيا ظهور عملة مشتركة لدول كثيرة هي العملة الأوروبية اليورو .
إذن فقد عرفت المسألة التي نتدارسها اليوم تغيرات كبرى عمّا كانت عليه أيّام ماركس ، إلّا أنّ هذا الأخير تنبّأجزئيّا و حلّل ما سيحصل بهذا الصّدد .
لا بدّ إذن من أن ندرس ما قاله ماركس حول هذا الموضوع ، وأن نفهم كيف تغيّرت المسألة ظارهيا ، والأهم أن نعي أن التّغيّر ظاهري فحسب . 

إنّ الفكرة الأساسيّة والتي يبدو أنّه من غير الصّعب إدراكها ، هي أنّ النّقود ليست ثابتة . فالمسرحي الفرنسي الشهير موليار ، عندما نقد البخيل في مرحيته الشهيرة ، فإنّ نقده كان ينبع أساسا من إنتماء موليار إلى طبقة البورجوازية المستثمرة ، التي بدأت تنبثق في تلك الفترة ، والتي كانت تولي صرف النّقود لإستثمارها أهميّة كبرى .

إذن فالنّقود تصرف في دورات ، في عمليات التّبادل ، بإعتبارها الوسيط الذي اخترعه الإنسان في هذه العمليات . يبيع أحد الأطراف سلعة بينما يشتريها الآخر ، يخبّأ الأّول النّقود بينما قام الثاني بإستثمارها .
لا بدّ إذن من التّوفّر على ورقات نقديّة ، وبكميّة معيّنة ، ولكن أيضا ، بقيمة معيّنة . فالواقع أنّ أوراق لعبة المونوبولي لن تمكّنك من إقتناء حاسوب جديد ، بينما تمكنك أوراق اليورو من ذلك ، هذا لأنّ الدّولة معترف بها من قبل كلّ أفراد المجتمع ، من قبلك أنت ، و من قبل من سيبيعك الحاسوب ، وبالتّالي فهو يثق بأنّ لأوراق اليورو قيمة معيّنة ، لأنّ الدّولة هي التي تصدرها ، وبالتّالي فلهذه الأوراق قيمة حقيقية وليست مجرّد أوراق كما هو الحال بالنّسبة لأوراق المونوبولي .

هذا بالنّسبة للخاصية الأولى للأوراق النّقدية ألا وهي خاصية القيمة ، أما بالنسبة لخاصية الكميّة ، فهي لا تربط بقط بحجم المبادلات التجارية التي تحصل في السوق فحسب ، ولكن أيضا بالسّرعة التي تحصل بها هذه المبادلات .
فإذا ما كانت المبادلات كثيرة و سريعة ، فهذا يعني أنّ النّقود سرعان ما تنتقل من يد إلى أخرى ، ما يعني أنّ كميّة صغير من النّقد كافية بالحاجة لتقوم النّقود بدورها كوسيط في عمليّة التّبادل . أمّا اذا ما كانت المبادلات قليلة أو بطيئة ، فلا بدّ من ضخّ مزيد من النّقود في التّداول .
وبالتّالي تتحكّم الدّولة في كميّة النّقد التي يتمّ تداولها ، لكن دون أن تغفل عن الخاصيّة الأولى التي يجب أن تتوفّر عليها النّقود ، فرغم التّغيّرات في الكتلة التي تتداول ، لا بدّ أن تحافظ النّقود على دورها كحافظ للقيمة ، بمعنى لا بدّ أن تمثّل النّقود دوما قيمة حقيقية ، وأن لا تكون مجرّد أوراق كأوراق المونوبولي . بالنّسبة للماركسين ، فإنّ العمل هو المصدر الأوحد للقيمة ، وبالتالي فإنّ النّقود في الواقع هي وسيلة لحفظ قيمة العمل الإجتماعي ، ولكي تبقى الّقة في أنّ النّقود تحمل قيمة حقيقيّة ، لا بد من وجود عمل بكميّة كافية ، بمعنى لا بدّ من وجود مصدر القيمة ، التي تمثلّها النّقود .
وهنا بالذات فقد تغيّرت الأمور عمّا كانت عليه أيّام ماركس ، فاليوم ، تمثّل الورقة النّقديّة قيمة معيّنة نعم ، لكنّها قيمة نظرية فحسب ، أمّا في الماضي فقد كانت تمثّل قيمة حقيقيّة ، هي قيمة الذّهب الذي تخزّنه الدّولة التي أصدرت الورقة في خزائنها .
يتبيّن إذن أنّ العلاقة بين الورقة النّقديّة وبين الذّهب ، أو بعبارة أخرى بين الورقة النّقديّة وبين القيمة التي تمثّلها اليوم ، ترتبط أساسا بسرعة التّبادل . لقد لاحظ ماركس هذا و حلّله في رأس المال . يقول ماركس :
إنّ كتلة النّقد التي تتداول في لحظة ما ، لا بدّ أن تحدّد عبر إحتساب مجموع أثمان السلع التي تباع في السّوق . فإذا ما كانت المبادلات تحصل بسرعة كبيرة ، فلا بدّ من التّقليص من كتلة النّقد ، أمّا إذا ما كانت المبادلات تحصل ببطئ ، فلا بدّ من صخّ مزيد من النّقد في التّداول . 
يمكننا إذن أن نلاحظ الأهميّة الكبرى للنقود في نمط الإنتاج الرّأسماليّ ، فالنّقود تمكّن الرّأسمالي من بيع سلعته ، كما تمكّنه من تشغيل العمّال من جديد لصناعة سلع من جديد ، ولبيعها من جديد . أنّه نظام يعمل في دورات متكررّة ، فإذا ما تعطّل نظام دورات النّقود هذا ، تعطّل الإنتاج ، وحصل ما يسمّى بأزمة العملة ، أو أزمة سعر الصّرف لعملة ما ، وهي في الحقيقة أزمات تمسّ الإنتاج الصّناعي ، أو تصريف السّلع في السّوق . 

هل أعجبك المقال ؟

0 تعليقات: