7/16/2015

دور النقود عند ماركس - الجزء 4 - هوس الذّهب و النّقود

لقد سبق وأشرنا إلى أنّ الرّأسمالية قد تميّزت بتحويل الإنتاج من نشاط فرديّ كما كان الحال عليه في القرون الوسطى - الفلاحون الصغار و الأقنان في الأرياف و الحرفيون بالمدن - إلى نشاط جماعيّ ، بإعتبارها توحّد جمعا من العمّال ، لتحقيق هدف إنتاج سلعة ما .

لكن و بقطع النّظر عن هذا التّحوّل الإجتماعيّ الذي أحدثه نمط الإنتاج الرأسمالي ، والذي حدث بطريقة موضوعية خارجة عن إرادة أي طرف ، فإنّ الرّاسمالي ، كذات منفردة ، يعرف أيضا تحوّلا فرديّا ، يتوهّم أنه حصل نتيجة لإرادته الحرّة .
تاريخيّا ، لقد شكّلت البروستانتينيّة الموقف الّتي تبنّاها الرأسماليون ، والتي مثّلت تصوّرهم للكون ، والّتي صوّرت تنامي ثورتهم على أنّها إصطفاء من الإلاه لهم .

إلّا انّ الرّأسمالي الذي يظنّ أنّ تنامي ثورته عبر الإتثمار ميزة من الرّب ، ليست الصّورة الوحيدة الّتي أنتجتها الرّأسمالية ، في الواقع فقد شكّل نمط الإنتاج الجديد هذا صورة الرّجل البخيل  .
في الواقع ، فإنّ صورة الرّجل البخيل صورة منتشرة للغاية في المخيال الشّعبي الأوروبي وبالخصوص في المراكز الأولى الّتي شهدت إنبثاق الرّأسمالية كنمط إنتاج ، وقد رسّخت هذه الصّورة ، أعمال أدبيّة عديدة ، نذكر منها بفرنسا على سبيل المثال ، رواية غوبسك (إنجليزي) للكاتب أونوري دي بالزاك ، أو مسرحية البخيل لموليار .

لماذا يحتفظ البخيل في القرون الوسطى بذهبه ؟ لقد سبق و أن ذكرنا أنّ الرّأسمالي لا يقوم بهذا ، إذ أنّه على يقين أن بإمكانه تنمية ثروته عبر إقحامه في دورة الإنتاج الرّأسماليّ . إلّا أنّ البخيل في عصور ما قبل الرّأسمالية لا يقوم سوى بالإحتفاظ بالذّهب ، ليتمكّن من الحصول على القوّة ، أو بالأحرى على قوّة الذّهب ، إذ أنّ للّذهب قوّة متّفق عليها من الجميع، تمكّن من الحصول على كلّ ما يرغب به البخيل .
يمكننا أن نقول ، أنّ البخيل في الواقع ليس إلّا شخصا ، إستحوذت عليه هذه الفكرة حتى صارت هوسا ، هوس يمكن أن نسمّيه ، هوس إمتلاك القوة عبر الإحتفاظ على النّقود ، أو ببساطة ''هوس النّقود'' .
والحقيقة أنّ هوس النّقود وإستشراءه ، هو واحد من نتائج نمط الإنتاج الرّأسماليّ .

إنّ الشّخص البخيل يعيش معضلة كبيرة ، تتمثّل في إدراكه أنّ قليلا من النّقود تحميل ''قيمة'' صغيرة ، وبالتّالي فهو يسعى إلى إمتلاك كميّة أكبر من النّقود ، حتى يتمكّن كما يظنّ من سدّ الهوّة بين القيمة المحدودة للقطع النّقديّة التي يمتلكها ، و بين القيمة اللانهائيّة للذّهب أو للنقود كوسيلة للتبادل .
إنّه يعيش تخبّطا عنيفا ، بين قيمة النّقود الّتي يمتلكها فعليّا ، و بين القيمة اللّمتناهية التي يمكن أن يحصل عليها إذا ما خزّن نقوده أكثر ، فأكثر ، فأكثر ...

يجدر بنا أن نذكّر هنا ، أنّ النّقود إختراع إجتماعي ، أوجده البشر ، ليكون أداة أو وسيط في عمليّة التّبادل السّلعيّ ، كبديل عن عمليّة مقايضة سلعة بسلعة أخرى .
تمكّن كمّية معيّنة من النّقود من شراء سلعة معيّنة ، إلّا أنّه و بصفة عامّة ، فإنّ النّقود تمكّن من شراء أيّ سلعة ، وهذا ما عبّرنا عليه ، بالقيمة اللّامتناهية للذّهب أو للنّقود ، والّتي يسعى البخيل المهووس إلى الحصول عليها .

في مجتمع يسود فيه نمط الإنتاج الرّأسمالي ، فإنّ النّقود تمكّن أيضا من شراء قوّة العمل ، ما يمكّن من تنمية النّقود أكثر فأكثر .
يقول ماركس :
إنّ إمكانية تخزين السّلع كقيمة للتّبادل - لتبديلها بسلعة أخرى - أو تخزين قيمة التّبادل كسلعة - تخزين النّقود كأنّها سلعة - تذكّي و تحيي الهوس بالذّهب .
وكلّما تنامت عمليّة التّبادل والتّجارة ، كلّما كبرت أهميّة النّقود كأداة أوجدها المجتمع لتكون وسيطا في عمليّات التّبادل (...).وهذا ما يدفع إلى السّعي إلى تخزين النّقود بإعتبارها أضحت رمزا معترفا به للثّورة ، وبإعتبار إمكانية تبادلها في أي وقت ، بأيّ سلعة .
إلّا أنّ كميّة معيّنة من النّقود ، لا تمكّن من شراء إلّا سلعة معيّنة . إنّ هذا التّناقض بين محدوديّة قيمة كميّة معيّنة من النّقود وبين إمكانية إقتناء كلّ السّلع عبر النّقود ، يجعل من يخزّن النّقود في تخبّط مستمر أشبه بعذاب سيزيف الأبدي.
يخزن البخيل النّقود دون أن ينفقها ، تلك كانت صورة البخيل في القرون الوسطى ، أمّا البخيل في عصر الرّأسماليّة ، فهو الرّأسماليّ الذي يسعى دون إنقطاع إلى إقتناء قوة العمل ، لتنمية كميّة النّقود الّتي يمتلكها .

هل أعجبك المقال ؟

0 تعليقات: