7/16/2015

دور النقود عند ماركس - الجزء 3 - النقود تخفي حقيقة أنّ العمل هو مصدر الثّروة

لقد سبق و رأينا أنّ الرأسمالي ينطلق من النّقود ، ليوظف عمّالا ، ينتجون سلعا ما ، يتمّ بيعها ، فترجع النّقود من جديد إلى الرأسمالي ، بكمية أكبر . 

ورغم هذا ، فقد أخترعت النّقود قبل آلاف السنين من بلوغ مرحلة نمط الإنتاج الرأسمالي ، وقبل هذه المرحلة ، رغم أنّ النّقود كانت متوفرة ، فإنّ المعادلة الرأسمالية : نقود-بضاعة-نقود أكثر ، لم تكن موجودة .
لقد رأينا أنّ مصدر تنامي رأس مال الرأسمالي هو فائض القيمة ، بمعنى قيمة جزء من العمل ، قام به العمّال ، دون أن يتلقّوا أجرا .

إنّ رأس المال ، في حالة تشكّله على شكل نقود ، لا يمكن أن يؤدّي وظيفة غير وظائف العملة المالية .
يعني هذا أنّ النّقود هي رأس مال ، في حالة واحدة : إذا ما أنفقت في سبيل الإنتاج ، عبر تسديد أجور عمّال ''أحرار'' - بمعنى ليسوا عبيدا كما كان الأمر في ظل نمط الإنتاج العبودي - ، ليقوموا بإنتاج سلع ، يتم بيعها ليسترجع رأس المال على شكل نقد من جديد.
فإذا لم يتمّ ذلك ، فلا يمكن إعتبار النّقود رأس مال .

بإعتبار أنّ المصدر الوحيد للحصول على الثروات المادية ، هو العمل الذي يقوم به الإنسان على مواد الطبيعة ، وفي قلب تلك العمليّة التي تطرأ على النّقود كرأس مال ،والتي يتنامى فيها رأس مال الرأسمالي ، نستنتج أنّ هناك عملا ، أدّى إلى ثورة ، إلّا أنّه ثروة لم تذهب إلى من قام بالعمل بمعنى العمّال ، بل ذهبت إلى الرأسمالي ، بمعنى أنّ هناك عملا ، أدّى إلى خلق ثروة ، إلّا أنّ الرأسمالي لم يقم بدفع ثمن هذا القسط من العمل للعمّل ، فإذا ما فعل ذلك ، لما تنامى رأس ماله ، ولبقي على حاله . نتكلّم هنا عن ساعات عمل غير مأجورة ، أدّت إلى خلق قيمة -ثورة-، تسمّى فائض القيمة ، وضعها الرأسمالي في جيبه .
ولكن ولأنّ عملية إشتراء العمل من العمّال ، تتمّ عبر النّقود ، أو بعبارة أخرى عبر أجر شهري عامّ على سبيل المثال ، فإنّ ذلك يخفي عمليّة الإستحواذ التي حصلت فعلا . بعبارة أخرى ، يحصل العامل على أجر عامّ على عمله نعم ، إلّا أنّه أجر غير تام ، إنّه أجر منقوص ، لأنّ العامل هو الذي خلق الثروة عبر عمله ، إلّا أنّ هذه الأخيرة ذهبت في النّهاية إلى صاحب المصنع ، بمعنى أنّ صاحب المصنع لم يقم بدفع ثمن سوى جزء من عمل العامل ألا وهو ثمن قوّة العمل ، بمعنى ثمن ما سيمكّن العامل من إسترجاع طاقته ليقوم بالعمل مجدد-غذاء العامل و مسكنه وباقي حاجياته المادية الأساسية - ، إلّا أنّ عمل العامل لم يذهب هباء حتّى يدفع له ثمن قوة عمله فحسب ، فقد أدّى عمل العامل إلى خلق قيمة مضافة على المادّة الأوليّة التي عمل عليها ، إلّا انّ العامل لم يحصل على هذه القيمة المضافة ، أو لنقل ، لم يتم سداد أجر له تعويضا على القيمة المضافة التي أنتجها عمله .
أن حاصل طرح القيمة المضافة للسّلعة التي إنتجت من ثمن قوة العمل-بمعنى الأجر الفعلي الذي حصل عليه العامل- ، هو ما يسمّى بـفائض القيمة ، وهي القيمة التي لم ينل العامل ثمنا على خلقها . وكما أكّدنا دائما فإنّ فائض القيمة هذا ، الذي يتركه الرأسمالي في جيبه ، هو مصدر تنامي رأس ماله و تراكمه .

إنّ دفع الأجر على شكل نقود ، يخفي المصدر الحقيقي لخلق الثروة ، ألا وهو العمل . إنّ النّقود هنا هي قناع الإستغلال .

على صعيد فردي ، يرى العامل أنّه حصل على أجر عادل ، إتفق عليه منذ البداية مع الرأسمالي .
أمّا من وجهة نظر علميّة ، فإنّ ما يحدث هو أنّ طبقة الرأسماليين تستغلّ الطبقة الشّغيلة .

إنّ الرأسمالي ليس ذلك التّاجرالّذي يضيف نسبة لثمن ما يشتريه من بضاعة حقق يحقق الربّح عند بيعها ، فالتّاجر ليس إلّا عنصرا طفيليا ، يحتل موقعا بين المنتج و بين المستهلك ، وبالتالي فإنّ وجوده أو إنعدامه لا يغيّر من الإنتاج شيئا ، كما لا يغير من عملية خلق الثّروة شيئا .
أمّ الرأسمالي ، فهو فاعل أساسي في عملية خلق الثورة ، من حيث أنّه يسرق فائض القيمة من العامل الذي يستغلّه ، وبالتالي يتنامى رأس ماله بصفة مستمرّة .

إنّ الثورة تحصل إذن ، من المبادلة التي تحصل بين طرفين نظيرين ظاهريا ، بين الرأسمالي و بين العامل الذي يقبل أن يبيع قوة عمله مقابل أجر يدفع نقدا ، في خضم هذه المبادلة يحصل إختلاس ، إذ أن الثروة التي خلقها العامل لا ترجع إليه ، بل إلى الرأسمالي ، وكأنّ هذا الأخير لم يقم بدفع ثمن قسط من ساعات عمل العامل .

ليس هذا كلّ شيئ ، لكي تدخل النّقود في علاقة مع العامل ، لا بدّ من توفر ظروف معيّنة .
يذكر ماركس ما يلي :
إنّ نمط الإنتاج الرأسمالي ، بما هو مؤسس على الأجور ، بمعنى آخر ، على خلاص العامل نقدا ، لا يمكن أن يحصل إلّا في صورة وجود كتلة مهمّة من النّقود في بلد ما ، بما يمكنّن من التّداول ، و من تكوين ثروة -صناديق وداءع - عبر هذا التّداول .
هذا هو الشّرط الذي حدّده تاريخ البشر ، ولكن ورغم ذلك لا بدّ من أن لا نتخيّل أبدا أنّه لا بدّ من تكوّن هذه الكميّة المهمّة من النّقود عل شكل ثروات قبل أن ينطلق نمط الإنتاج الرأسمالي .
لأنّ هذا الإنتاج في حقيقة الأمر ، ينطلق في نفس الوقت مع إيجاد هذا الشّرط ، بمعنى أنّه في نفس الوقت الذي يحصل فيه إيجاد كمّية كافية من النّقود  على شكل ثروات وصناديق ودائع، فإنّ الإنتاج الرأسمالي ينطلق .
لهذا السّبب ، فإنّ تنامي نخزون المعادن النّفيسة منذ القرن السادس عشر ، كان عاملا مهما من عوامل التّطوّر التاريخي لنمط الإنتاج الرأسمالي .

ولكن عندما يتعلّق الأمر بضرورة الضخّ المتواصل للنقود في إطار الإنتاج الرأسمالي ، فإننّا نلاحظ أنّه يتمّ من جهة ، ضخّ قيمة في السّلع المنتجة ، مقارنة بما كانت عليه في الطّبيعة ، من دون أن يتمّ ضخّ نقود بقدر قيمتها في التّداول ، ومن جهة أخرى فإنّه يتمّ ضخّ قيمة جديدة على شكل ذهب ، قبل أن يتمّ تحويل السّلعة الأولى إلى نقود .

إذا كانت السّلع الإضافية والتي يجب أن تتحوّل إلى نقود قد وجدت كتلة من النقود تكفيها لأن يحصل ذلك ، فهذا يعني أنّه يتمّ من ناحية أخرى ، ضخّ ذهب  نقود ، لا من باب المبادلة بالسّلع المنتجة ، ولكن من باب مواصلة عمليّة الإنتاج لكي تتحوّل هذه النّقود وهذا الذّهب إلى بضاعة من جديد .

يبدو جليّا أنّنا بدأنا الخوض الآن في موضوع شائك ، الا وهو التراكم البدائّ لرأس المال ، والذي كان ولا يزال إلى الآن موضوعا مثيرا للجدل ، خاصة بعد الرّؤية التي بلورتها روزا لوكسمبورغ في كتابها ''تراكم رأس المال''(إنجليزي) .

ولكن ما يهمّنا الآن في سلسلة هذه المواضيع ، هي النّقود . إذن ، و إنطلاقا من اللحظة التي صارت فيها النّقود ''قادرة على جلب نقود أكثر'' ، وألقي فيها  بالإنتاج و كيفية حصوله ، واساسا طبيعة العلاقات الإنتاجية ، على جانب الطّريق، من تلك اللحظة بالذّات ، لعبت النّقود دور القناع الذي يخفي حقيقة أنّ العمل هو مصدر الثّروة ، وأنّ الثورة لا تذهب إلى من يقوم بالعمل .

هل أعجبك المقال ؟

0 تعليقات: