6/26/2014

المضاربة

ما معنى المضاربة؟ مافائدتها ؟ وماهي أبرز عمليّة المضاربة الّتي شهدها التّاريخ؟

ما المضاربة ؟
إنّها عمليّة تجاريّة-شراء أو بيع سلع- أو ماليّة ، تهدف إلى الإستفادة من تقلّبات السّوق ، من أجل تقيق ربح مادّيّ سريع . وهي تفترض ، في من يقوم بها حدسا خاصّا ، ودراسة إستباقية ، تمكّنه من قراءة الأحداث . كما أنّها تطلّب القيام بمخاطرة ، إذ انّ التوقّع الخاطئ يؤدّي إلى الخسارة عوضا عن الرّبح.

المضاربة والرّبح:


نتيجة إلى أنّها أسلوب يمكّن من تحقيق ربح سريع ، فإنّ المضاربة تلاحق دوما بالإنتقادت ، فالرّأي العام ينظر دئما بإرتياب إلى المبادرات الّتي ترمي إلى الزّيادة في النّفع المادّي لصاحبها دون أن يكون هناك عمل أو مجهود أو إستثمار منتج ، حتّى في الحالات الّتي تتمّ فيها المضاربة دون فساد ماليّ أو إداريّ ، أي بمجرّد دراسة لما يمكن أن يحدث في المستقبل وفقا لمعطيات .
لذا فإنّ كلمة مضارب إلتصقت في المخيّلة الشّعبية بالفساد والإختلاس بل أنّها اكتسبت معنى قدحيّا .

وما يدعم السّمعة السّيئة لهذه العمليّة التجاريّة ، طبيعتها الّتي تستدعي الغموض و الحيطة ، حتّى اذا كانت عمليّة ضمن قواعد المشروعيّة ، اذ أنّ التّصريح بالتّوقعات من قبل المضارب مثلا قد يؤدّي إلى أن يتمّ تغيير ما في مجريات الأحداث ، يسببّ لها الخسارة و فشل العمليّة.
من جهة أخرى ، فإنّ أعظم عمليات المضاربة الّتي شهدها الأقتصاد العالمي ،لم تكن في معظمها عمليات مشروعة، اذ ارتبطت أغلبها بعمليات نصب ، أو فساد ، و خصوصا بعمليات كذب و عدم نزاهة ، وهو ما يزيد الإستنكار الشّعبي المسلّط على هذه العمليّة التّجارييّة.
أضافة إلى كلّ هذا ، فإنّ نتيجة المضاربة ، تكون في أغلب الأحوال ، تناميا كبيرا في ثروة المضارب الذي عرف كيفية إستغلال الظرف ، مرافقا لخسارة فادحة بالنّسبة لعدد كبير من الضحايا .

الّا أنّ الرّبح ليس مآل كل المضاربين ، بل أن عمليّة مضاربة ما ، يمكن أن تنتهي بخسارة فادحة للمضارب نفسه اذا أخطأ التّقدير ، كم ا أنّ نتائج تحقيق ربح كبير ، قد تكون وخيمة ، ولعلّ أبرز مثال على ذلك ، مثال رجلي المال الفرنسيين ''فولون'' Joseph Foullon de Doué و ''برتيي دو سوفنيي'' Bertier de Sauvigny الذان كانا يضاربان في الحبوب سنة 1789 في فترة قحط ، فتنامت ثروتهما بصفة مهولة ، لكنهما أصبحا موضوع غضب شعبي لاتهامهما بانهما ''محتكرين'' ، في اطار مظاهرات شعبية عارمة عمّت فرنسا حينها ، في ما اشتهر على تسميته ''بثورة الطّحين'' والتي اعتبرت من أوّل شرارا اندلاع الثورة الفرنسية . وعندما غامر الرّجلان بتهور ومرّا وسط الحشود الغاضبة ، تمّ طرحهما أرضا ، و أشبعا ضربا . ثم قطعت رأس ''بريتيي'' وجابت بها الجموع الشّوارع على رأس رمح.أمّا ''فولون'' فقد شنق وعلّق على فانوس بعد أن ملأ رأسه بالتبن ، عقبابا له على قول أن بامكان الشعب أن يقضم التبن . 
حدث هذا يوم 22 جويلية يوليو من سنة 1789 بباريس ، وقد أدّت إلى هذه العاقبة الوخيمة ، مضاربة قائمة على توقّع بسيط ، توقّع حدث ما ، والتّصرّف طبقا لما يقتضيه وقوعه ، والقدرة على الزيادة في الطلب عندما يكون العرض غير كاف تبعا لذلك .

الّا أنّ المضاربات الكبرى التي عرفها العالم،ارتبطت بوسائل غير مشروعة ، اذ انّها لم تقم على توقّع قيام حدث ما ، بل بفرض قيام هذا الحدث فرضا، ومن هنا ارتبطت عملية المضاربة بالسياسة . كما أنّه قد يتسنّى للمسؤولين السامين في الدول التعرّف على أحداث و معطيات سرّية لا تذاع ، أو قبل اذاعتها على الرّأي العام ، فيستغلون مناصبهم للقيام بمضاربات تحقق لهم الأرباح .

وقد كانت هذه حالة البنكي الشّهير جايمس روتشيلد James de Rothschild الذي اغتنى بالمضاربة ، اذ علم قبل غيره بالانخفاض الكبير في العملة الفرنسية الذي وقع إثر هزيمة نابوليون بونابارت Napoléon Bonaparte في معركة واترلو Waterloo Battle ، في عالم لم يكن فيه نقل المعلومة حينها متيسرا كما هو اليوم .

أمثلة شهيرة : 


لقد إحتفظ التاريخ بعدد كبيرجدا من عمليات المضاربة. فهذه الأخيرة كانت موجودة منذ أقدم العصور ، وحتى قبل اختراع النقد الذي سهّلها كثيرا .
ومن أشهرها كانت المضاربة في البصل في هولندا ، والتي أدّت إلى حالة الذعر المالي والكساد الإقتاصدي سنة 1637.

كما دخلت مضاربات الصيرفي الأسكتلندي جوهن لاو John Law تاريخ فرنسا . فباسم شركة لويزيان الوهمية حصل هذا المغامر سنة 1716 على الحق في تأسيس بنك ، وشركة تجارية ، و احتكار و إستغلال خيرات وادي الميسيسيبي . هكذا تحمّس له الرّأي العام ، وارتفعت الأسهم بشكل مهول ، و أغرقت الأموال السّوق ، إلى أن جاء اليوم الذي حدث فيه الإفلاس ، والذي قوض ثروات عدد كبير من الأغنياء والأعيان ، الأمر الذي عرض ميزانية الدولة الى اختبار عسير .

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد عرف تاريخها عملتي مضاربة مدويتين ، الأولى عقارية ، وكان مصدرها الرّئيسي رغبة الحكومة الأمريكية في تعمير أكبر مساحة ممكنة من الأراضي وذلك بتسهيل إستغلالها ، ولذلك قامت بتسليم الأراضي للمهاجرين بأثمان بخسة، غير أنّ المهاجريين لم يحصلوا على هذه الأراضي واقعا ، اذ أنّ المضاربيين علموا برغبة الحكومة الأمريكية ، ووضعوا الخطط للتدخل والإستلاء على جميع الأراضي المتوفرة ، دون أن يترددوا في تقديم أنفسهم على أنّهم مهاجرين ، أو بواسطة مهاجريين حقيقين مسخرين .
ولقد تم التقطن من قبل الحكومة لهذا بعد سنوات فتم شراء الأراضي من المضاربين من جديد لتقديمها لأشخاص يرغبون حقا في إستغلالها . وهكذا حقق هؤلاء المضاربون - غير النزيهين - أرباحا وفيرة .

أمّا المضاربة الكبرى الثانية التي شهدها بلد العم سام فقد وقعت إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى ، وقد بلغت هذه المضاربة حدا من التوسع لم تستطع بورصة وول ستريت مقاومته ، الى ان انتهت هذه المضاربة بانهيار عام للأسعار سنة 1929 في ما يعرف بإنهيار وول ستريت عام 1929 أو بالخميس الأسود، مع إفلاسات عديدة ، و إنتحارات مدوية ، و أزمة لم تقف حدودها عند حدود المولايات المتحدة فقط بل هزّت الإقتصاد العالمي في العمق ، وكانت سببا في أزمة إقتصادية عالمية كبرى ، سميت في ما بعد بالكساد الكبير.
وقد كانت الشركات متعددة الجنسيات في هذه المضاربة أكبر المستفيدين والمضاربين .

فائدة المضاربة : 


يعتبر بعض منظري المالية أنه ينبغي عدم إدانة المضاربة بصفة مطلقة . فالمضاربون بشرائهم للعملات و الأسهم في فترة الركود -أملا أو توقعا لتحسن الحال بوقوع تغيير في السوق - وببيعها حين يحدث التحسن فعلا ، يخففون من حدة التقلبات ، لأنهم يضمنون للأسعار إستقرارا على الأمد البعيد. 
وهم يعملون أيضا ، إلى حد ما ، على تقدم السوق بسعيهم إلى الشّراء والبيع في وقت يرفض فيه المنتجون والمستهلكون القيام بذلك ، لا سيما في فترات الكساد.
ولكي يضفوا صبعة أخلاقية عليها يوصي هؤلاء المنظرون بأن تكون المضاربة عمومية وبأن يتم الإدلاء بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن الظّرفية الإقتصاديّة.

هل أعجبك المقال ؟

0 تعليقات: