6/19/2014

الأسعار

ماهي الأسعار ، من يحدّد سعار بضاعة معيّنة ؟ مالذي يؤثّر على الأسعار و كيف تتمّ مراقبتها ؟

 إنّ الأسعار هي التّعبير النّقديّ عن قيمة البضاعة . وهي في نفس الوقت تقدير مجرّد-إختزاليّ- للإنتاج بواسطة ساعات العمل ، ويدخل في تقديرها عامل آخر ، يتمثّل في
ثمن التّكلفة الصّناعيّة و ثمن التّكلفة التّجاريّة ، الّذين يحددّ مجموعهما السّعر النّهائيّ للبضاعة .

ويتمّ حساب ثمن التكلفة الصناعيّة تبعا لكلفة المادّة الأوّليّة ومصاريف الصّنع إضافة إلى المصاريف العامّة للمقاولة .
أمّا التّكلفة التّجاريّة فتحدّد حسب مصاريف التّسويق : من نقل و تفريغ و تخزين و أجرة البائع ...

كما يضاف إلى هاتين التّكلفتين الرّبح ، ليقدّر في النّهاية السّعر النّهائيّ للبضاعة ، الذي يعبّر عنه بقيمة نقديّة سواء كان ذلك بالمعدن كالذّهب والفضّة ، أو بالأوراق النّقدية كما هو الحال في أغلب المعاملات في عصرنا هذا .


إرتفاع الأسعار وأنخفاضها :


تخضع الأسعار إلى ثلاثة عوامل :
  1. غزارة أو ندرة منتوج ما بمعنى العرض.
  2. جودة المنتوج .
  3. كثافة الطّلب أو قلّته على المنتوج.
وبالنّسبة إلى العامل الثّالث فلعلّه يحتاج توضيحا مخصوصا ، ويكفي لتوضيح دوره ذكر مثال واحد ، فعقب الإكتشافات البحريّة الكبرى الّتي شهدها القرن السّادس عشر ، حينما أصبح الذّهب يوجد بوفرة في أوروبا -بعد إكتشاف البرازيل خاصّة- فقد قلّ عدد العمّال لإنتشار الذّهب ، و بالتّالي قلّ العرض و المنتجات فارتفعت الأسعار .
وهكذا فعندما تكون هناك وفرة في الإنتاج وفي المواد المعروضة في السوق تبعا لذلك ، تنخفض الأسعار ، وبالمقابل ، عندما يكون هناك شح في عرض المنتوج في السّوق ، فإنّ الأسعار ترتفع .

ويجدر الإشارة هنا ، إلى أن ندرة المواد الّتي تؤدّي إلى إرتفاع في أسعارها ، قد تكون أمرا مدبّرا عمدا ، فعندما قام تورغو Turgot بإلغاء المكوس في فرنسا ، في عهد لويس السادس عشر ، تمّت إعاقة التّبادل الحر للبضائع رغم تحرير السّوق ، وذلك لأنّ المضاربين قاموا بإشتراء كلّ الحبوب المتوفّرة و خزنها، حتى لا تحصل الوفرة ، ولكي ترتفع الاسعار ، فيحققون بذلك ربحا أكبر .
وبالتّالي فإنّ العامل الثالث المحددّ للسّعر يحيلنا على عامل خفي ، الا وهو عامل المضاربة ، التي تؤثّر ، بطريقة مخفيّة في اغلب الأحيان ، على أسعار البضائع .

فالمضاربة مرتبطة في أغلب الأحيان بالإحتكار وهو مصطلح يدلّ على منح شخص أو شركة أو دولة ما إمتيازا حصريا بصنع أو ببيع بعض المواد ، ويؤدّي هذا الإنفراد في اغلب الأحيان إلى إرتفاع مهول في الأسعار ، كما كان الحال حينما قام جون د. روكفلر Rockfeller بإنشاء شركة ستاندرد أويل لإستخراج و تكرير و نقل النّفط ، فخفّض أسعار البيع متحمّلا الخسارة الظّرفية ، فربح أسواقا أوسع و دفع كلّ منافسيه إلى الإفلاس والإنهيار ، فأحتكر سوق النّفط لشركته فحسب ، و رفع إثر ذلك الأسعار بعد أن تأكّد من إنعدام كلّ منافسة .

الأسعار والإحتكارات:


غالبا ما تحارب الإحتكارات الخاصّة من طرف الحكومات .ولعلّ أشهر مثال على ذلك هو الّذي قدّمته الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، مع أنها مبدئيّا ، البلد الّذي لا تعاق فيه حرّيّة المبادرة .
ففي نهاية القرن التّاسع عشر ، قام بعض رجال المال الأمريكيين ، وخصوصا منهم جون د. روكفلر Rockfeller -للّنفط- و كورنليوس فاندربلت Vanderbilt-للّسكك الحديدية-أندرو كارنجي Carnegie-للفولاذ-بإحتكار السّوق فانعكس ذلك على الأسعار ، إلى حدّ أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة تدخّلت لفرض قانون شايرمان  Sherman Antitrust Act في 2 جويلية يوليو من سنة 1890 ، والمعروف أكثر عالميا بالقانون المناهض للشركات الإحتكاريّة . وهو القانون الذي ينصّ على حرّية الأسعار ، ويعتبر الإحتكارات غير مشروعة رغم ذلك .

وفي العصر الحديث و تحديدا سنة 1971 ، فقد قامت سلطات السّوق الأوروبية المشتركة بتذكير عديد من المقاولات الفرنسية والألمانية والبلجيكية -والتي كانت قد تقاسمت سوق السّكّر وطبّقت أسعارا مرتفعة - بوجوب مراعاة النّظام المعمول به .

ولا بدّ من الإشارة هنا ، إلى أن الإحتكار يمكن أن يكون سياسة حكومية ، معتمدة من قبل الحكومات في ظروف معيّنة ، أو لأسباب محدّدة ، ومن هذه الأسباب مثلا ، إحتكار سوق بضاعة طبّقت عليها ضريبة معيّنة تغني ميزانيّة الدّولة ، لهذا تحتكر الحكومة تجارة هذه البضاعة حتى تضمن إثراءا أكبر لميزانيتها عبر هذه الضّريبة . ولقد كانت هذه حال أسعار بيع البنزين في فرنسا ، والتي كانت مرتفعة جدا مقابل السّعر خارج فرنسا-سعر الإستيراد- وقد كان هذا السّعر المرتفع يمنح الدّولة موارد مهمّة جدا لخزينتها
كما يمكن أن يكون إحتكار الدّولة لبضاعة ما ، إحتكارا لتحقيق هدف إجتماعي بحت ، ففي العديد من البلدان ، تباع الكحول أو السجائر بأثمان مرتفعة جدا مقابل بلدان أخرى ، ويكون السّبب هنا ، دفع المستهلكين على الإقلاع نتيجة لإرتفاع الأثمان .

ومع ذلك فقد برهن المثال الأمريكي ، عبر قانون فولستيد حول الحضر Volstead act ما بين السنتين 1919 و 1933 على أن المنع بدون قيد أو شرط يؤدّي إلى تجاوزات ، وإلى إستهلاك غير قانوني يفوق الإستهلاك العاديّ بكثير .

أمّا المثال الثاني على إحتكار الدّولة لقطاع أو لسوق بضاعة ما لأسباب إجتماعية ، فهو حال قطاع توزيع المياه الصّالحة للشّراب أو بدرجة أقل ، توزيع الكهرباء على المواطنين ، ففي كثير من البلدان ، تحتكر الدّولة هذين القطاعين ، لكي تتحكّم في الاسعار ، أو لمزيد من التّدقيق ، كي تحافظ على أسعار منخضة لهذين الخدمتين الحيوتين بتوفيرهما دون تحقيق أي ربح ، الأمر الذي لا يمكن أن يقدم عليه القطاع الخاص.

أمّا الأنظمة الإشتراكيّة  (فرنسي) سابقا ، والتي لم يكن فيها لثمن الكلفة وللمصاريف العامّة نفس الأهمية الّتي لهما في الأنظمة الرأسمالية ، فقد كانت الدّولة المحتكرة قادرة على إعطاء الأمر بتخفيض عام للأسعار ، وذلك لأسباب ذات صبغة سياسيّة . وقد حدث ذلك في الإتحاد السّوفياتي على وجه الخصوص في العام سنة 1960.


 إغراق السّوق : 


إنّ التّدخّل في الأسعار ، سواء من قبل الخواص أو من قبل الدّولة قد يرتبط أيضا بأسباب أخرى ، كما هو الشأن مثلا في حالة الإستحواذ على سوق من الأسواق للهيمنة عليها ،  والتّصرّف بحرّيّة مطلقة ، بعد القضاء على كلّ منافسة . ويكون هذا مثلا ، عبر التّشجيع على تصدير السّلع نحو الأسواق الخارجية ، بمثن بخس جدا مقارنة بثمن السلعة في السوق الداخلية لبلد ما ويسمّى هذا التّدخّل بإغراق السّوق Dumping (إنجليزي) . صحيح أنّ هذا سيسببّ خسارة ، لكنّها خسارة ظرفية و محدودة  ، ففي حقيقة الأمر ، فإنّه يتم تدارك الخسارة في جزء آخر من أجزاء الإنتاج لم يتمّ التضحية به ، أي لم يتم تخفيض الأسعار فيه .
وأبرز مثال على ذلك ، المساحات الكبرى-السوبرماركت- ، التي يمكن أن تخفّض ثمن سلعة ما ، الى ما يقارب ثمن الكلفة تقريبا ، ولكنها في نفس الوقت ترفع كلّ الاسعار الأخرى ، بنسب محدودة إلّا أنّها كافية لتغطية الخسارة الجزئية التي حدثت بسبب تخفيض كلفة السّلعة التي تريد إغراق السّوق بها .

أمّا على الصّعيد الدّوليّ ، فكثيرا ما تتلقّى سياسة إغراق السّوق دعم الحكومات المهتمّة بنسف هذا الإنتاج أو ذلك .
فقبل الحرب العالميّة الأولى كانت الحكومة الإمبراطورية الألمانية تنتهج على الدّوام هذه السّياسة ، حيث كانت تدعم المنتجين الذّين كانوا يغرقون الأسواق العالميّة بمنتوجات دوّن عليها ''صنع في ألمانيا '' ، وبأثمان تقلّ عن أثمان بيعها في ألمانيا نفسها .
وبعد الحرب العالميّة الأولى ، نهج اليابان نفس السّياسة ، فأغرق الأسواق العالميّة بمنتوجات مخلتقة من ساعات و درّجات إلخ بأثمان منخفضة . أمّا خلال العقود الأخيرة ، فإنّ ابرز حكومة إنتهجت هذه السّياسة ، فهي حكومة الصّين الشّعبيّة .

إنتهجت جمهورية الصّين الشّعبيّة سياسة إغراق السّوق في العقود الأربعة الأخيرة ، وقد
شملت هذه السّياسة كلّ أنواع السّلع ، من البسيطة إلى المعقّدة.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ سياسة إغراق السّوق قد لا تكون إختيارا ، بل أنّها يمكن أن تكون سياسة حتميّة ، كالحالة التي يدخل فيها إقتصاد بلد صناعيّ في حالة كساد ،  ففي هذه الحالة ، يكون من الحتمي على شركات هذا البلد أن تستمرّ في تشغيل مصانعها ، لذلك تكون مضطرّة إلى بيع منتوجاتها المصنعّة ، بأقلّ ثمن ممكن ، ولو كان هذا الثّمن أقلّ من كلفة الإنتاج .


 مراقبة الأسعار : 


يخضع الإقتصاد الّذي يحيش حالة أزمة إلى عدد من الظّواهر النّقديّة التي تكون لها إنعكاسات مباشرة على الأسعار. فالتّضخّم المرتبط  بإصدار مبالغ فيه للأوراق النّقديّة ، سيعمل على خلق إختلال في التّوازن بين التّدفّقات الإقتصاديّة ، ويؤدّي لا محالة إلى إرتفاع الأسعار ، لأنّ الثّمن الصّناعيّ نفسه يبقى مستقرّا ، وعليه أن يتكيّف مع الظّروف . وبالتّالي فإنّ التّضخّم هو سيرورة دائمة و تراكميّة لإرتفاع مستوى الأسعار .
وعلى عكس التّضخّم ، فإنّ الإنكماش النّقديّ يهدف إلى تخفيض أو تثبيت كلفة الإنتاج ، بمثل ما يرمي إلى التّقليص من تداول الأوراق النّقديّة للّتخفيض من مستوى الأسعار . وهكذا يجد الإنكماش النّقديّ معارضة قوية سواء من طرف العمّال أو من طرف أرباب العمل ، لأنّه وببساطة يعني التقليص من النّقد المتبادل وبالتالي من امكانيات العمال من تلية حاجياتهم الماديّة ، كما يعني في الآن نفسه إذن ، عدم قدرة أصحاب المصانع على التّخلّص من البضائع المنتجة .
أمّا تخفيض قيمة العملة الّذي تلجأ إليه الحكومات إثر تفاقم التّضخّم عادة ، فهو مجرّد معاينة للنّقصان الملاحظ في قيمة النّقد . إنّه قرار تشريعيّ تخفّض الحكومة ما بموجبه سعر صرف العملة الوطنيّة بالنّسبة إلى الذّهب أو بالنسبة للعملات الأجنبيّة .وينتج عن هذا الإجراء مباشرة ، إرتفاع عامّ للأسعار التي يعاد ربطها بالتّغيير الجديد الذي حصل .

وقد تلجأ حكومات عديدة إلى مراقبة الأسعار للحدّ من آثار التّضخّم ، وبعضها هذه الحكومات ، يراقب الأجور في نفس الوقت ، للحفاظ على الإستقرار ، مؤكّدة أنّ الزّيادة في الأجور ، هي أساس الزّيادة في الأسعار ، غير أنّ هذا الرّأي ليس محلّ إتفاق بين كلّ الخبراء . ففي الولايات المتّحدة ، عندما جرّد ريشارد نيكسون جميع الأسعار في البلد يوم 13 جويلية 1973 ، عبر دفع مراقبة الأسعار إلى مستوياتا القصوى، لم يلجأ هذا الرّئيس الأمريكي الى مراقبة الأجور ولا إلى تجميدها .

كما يمكن أن تستخدم الحكومات سنّ القوانين المناهضة للإحكار للحدّ من التّضخّم و لمحاربته ، وقد حدث هذا في الجمهورية الفيدرالية الألمانية سابقا ، حينما قررت الحكومة يوم 14 جويلية 1979 ، وضع حدّ للأسعار التي فرضها الوفاق الصّناعيّ ، إهتماما منها بتحرير المنافسة في السّوق الدّاخلية.

إنّ مراقة الأسعار ، والّتي تعتبر لدى الإخصائيين ، من الدّلائل على أن إقتصاد بلد ما إقتصاد موجّه ، تهدف إلى حماية المستهلك من إرتفاع الاسعار ، وإلى حماية المنتج حينما يهدّده النّكوص نتيجة إنخفاض الأسعار.

هل أعجبك المقال ؟

0 تعليقات: