9/03/2015

التضخم وإنخفاض قيمة العملة - الجزء 2

طوال المدة التي كانت فيها القطع والأوراق النقدية تجد تغطية تامة في مقابلها من الذهب ، لم يكن سعر المعدن الأصفر يتغير. وكان المولعون بالإكتناز الذين كانوا يدخرون القطع الذهبية ، يحققون ، في أعين رجال المال ، صفقات خاسرة ما دامت لا تنتج فوائد.

وفجأة تغيرت الأمور بشكل جذري ، ففي سنة 1929 شلت أزمة مفاجئة ، لم يسبق لها مثيل ، الإقتصاد الأمريكي ، حتى أن سويسرا نفسها ، والتي كانت تعتبر قلعة النظام النقدي ، لزم عليها أن تخفض من قيمة الفرنك . ومنذ ذلك الحين ، توقفت قابلية تحويل الأوراق النقدية إلى ذهب .
منذ تلك اللحظة إذن ، صار الذهب سلعة ككل السلع في النظام العالمي ، بمعنى صار سعره متغيرا ، وفق قانون العرض والطلب ، في سوق قانونية في بعض البلدان ، وفي سوق سوداء في بلدان أخرى .


ولتلافي تخفيضات متتالية للعملة ، من شأنها أن تفضي بدول عديدة إلى الإفلاس ، تم التوقيع على إتفاقية تحدد معيارتبادل الذهب .

فعوض أن يحدد ، لكل دولة معنية ، تكافؤ لعملتها بالنسبة للذهب ، أصبح الدولار وحده ، منذ ذلك الحين ، هو العملة الوحيدة القابلة للتحويل . وأصبح لكل عملة ، بالمقابل ، قيمة محددة بالنسبة للدولار الذي صار هو محور النظام النقدي الغربي . لكن تجدر الإشارة إلى أن معيار تبادل الذهب ، قد فقد أهميته هو أيضا ، منذ أن ألغت الولايات المتحدة الأمريكية قابلية تحويل الدولار إلى ذهب ، بعد أن أصبحت مهددة بنفاذ إحتياطاتها من المعدن الأصفر . 
  1. الجيش : من الأكيد أن المثل القديم القائل : ''إذا أردت أن تنعم بالسلم فلا بد من أن تتهيأ للحرب'' مازلا ساريا وصحيحا ، إلا ان أغلب الدول في حالة الأزمات تعمل على التخفيض قدر الإمكان من النفقات العسكرية . 
  1. الوظيفة العمومية : لقد تم ترويج فكرة تقول بأن عقلنة الإدارات ، و إدخال الحواسيب ، سيمكنان من التخفيض من عدد الموظفين ومستخدمي الدولة ، لكن على العكس من ذلك ، لم يتوقف هذا العدد يوما على الإرتفاع . 
  1. التحملات الإجتماعية للدولة : إن عدد السكان غير المنتجين : أطفال  شيوخ - عجزة ، يزيد سنة بعد سنة  - في الدول ذات النمو الطبيعي الإيجابي ، أي في أغلب دول العالم في الحقيقة - وهذا يمثل عبئا على مداخيل السكان المنتجين ، لذا تعمل الدولة على التخفيض من عدد السكان غير المنتجين عبر إجراءات كترشيد الإنجاب ، و فتح مجالات الإستثمار بالنسبة للمتقاعدين ... 
  1. المهام الإنسانية : تعتبر مساعدة الدول المتقدمة للدول المتخلفة من الأعباء التي تم تقليصها من قبل الدول المتقدمة في فترات الأزمات . 
كيف تتم محاربة إرتفاع الأسعار : 
إذا كانت عواقب تخيض قيمة العملة والتضخم كارثية بالنسبة للخواص ، فإن الدول تحاول ان تتفادى هذه المشكلة باللجوء إلى ''طرق تلطيفية'' مثل سك الأوراق النقدية ، والإقتراض ، وحقوق السحب الخاصة التي تمثل قرضا يمنح لدولة شريكة ، وهكذا مع توالي السنين ، سواء كانت سنوات جيدة أو سيئة ، تقوم هذه الدول ميزانياتها . 
وقد يتمثل أحد الحلول الناجعة في التخفيض من النفقات بميزانية الدولة ، ويتم ذلك خصيصا بالتخفيض من نفقات هذه القطاعات : 

علاوة على التخفيض في نفقات هذه القطاعات ، تعمل الدول في فترات الأزمات على حلول أخرى ، كحملات و محاولات الترشيد في الإستهلاك ، وتجنب التبذير ، خاصة في مجال الطاقة . في الواقع فقد أبرز الأزمة الحديثة للمنتوجات النفطية أن هذا المشكل البعيد عن الحل ، هو عامل جدي و جديد من عوامل التضخم ، وسيكون له عواقب وخيمة .

ويجب ايضا التقليل من الإستهلاك الفردي ، عبر التضييق على القروض الفردية . ومن الضروري أيضا التشجيع على الإدخار عن طريق تعديل سعر الفوائد - إغراء المواطنين لكي يدخروا أموالهم - قياسا إلى نسبة التضخم ، لكن الصعوبة الكبرى تكمن في تحديد مقدار كل إجراء من هذه الإجراءات . فإذا كان المقدار ضعيفا جدا فهو لن يصلح لشيئ ، أما اذا كان كبيرا جدا فإنه سيخلف تراجعا إقتصاديا خطيرا .

ليس من السهل تقديم حلول سحرية . كما أن تطبيق الحلول يبدو أصعب من ذلك بكثير . ووحدها الإجراءات المتخذة على الصعيد العالمي يمكنها أن تبدي نجاعتها .
هل ستستمر هذه الوضعية ؟ وهل نسير كما ينادي بذلك بعض الإقتصاديين أو السياسيين ، نحو إعادة كاملة لصياغة الأنظمة النقدية التي لن يكون فيها الدولار هو سيد الميدان ؟ إن ما يمكن ان نستخلصه مما سبق ، هو أن إنخفاض قيمة العملة والتضخم ، علتان تنخران الإقتصاد العالمي ، مثلما ينخر السرطان جسم المريض . 

هل أعجبك المقال ؟

0 تعليقات: